مدني
إبريل 1994 ، لم يكن مر على قيدي بنقابة المحامين أكثر من عام ، كنت أكره الإسلاميين ، وأخاف أن يتم تسليمهم الحكم في مصر في صفقة مع الحكومة المصرية ، أو تحديدا مع بعض الرموز في الحكومة المصرية ، فالحكومة ليست كتلة واحدة.
الخوف شعور طبيعي من الإسلاميين ، خاصة حين تكون يساريا.
خوفي من الإسلاميين لم يكن يعني أن أتغاضي عن التعذيب القذر الذي يواجهونه ، هكذا كان شعوري ، وهكذا تعلمت من صديقي ، الحقوقي الراحل هشام مبارك .
27 ابريل 1994 مساء ، خبر يصلني على الهاتف بإلقاء القبض على عبد الحارث مدني المحامي -34 عاما و ناشط بالجماعة الإسلامية- في مكتبه .
كان يجب أن أتحرك كمحامي في المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.
ساعات قليلة ،،و قبل ان أقرر ماذا افعل ،، تليفون أخر ، مات عبدا لحارث مدني!!!
الخبر انتشر ،، ومع ما يشاع عن التعذيب في مصر ،، كان التفسير الأقرب للمنطق أنه مات تحت التعذيب.
ومرت الأيام ، ولم يتم فتح تحقيق جدي من النيابة العامة.
عبدالحارث مدني حين قبض عليه في مكتبه ، كان برفقة بعض أصدقائه ، وكان بصحة جيدة.
أي شخص لن يموت وهو في هذا السن ، دون تفسير منطقي وواضح.
الشرطة المصرية كعادتها لم تكلف نفسها عناء توضيح ملابسات القبض عليه ووفاته.
انتظر المحامون – زملاء مدني – تفسيرا من النيابة العامة .
دون جدوى.
اعتصام ، وإضراب ، ومسيرة. فقط للمطالبة بتفسير وتحقيق جاد حول وفاة محامي شاب بعد القبض عليه بساعات .
لا إجابة !!
اعتقلت ضمن العشرات من المطالبين فقط بتفسير وتوضيح أسباب وفاة محامي شاب بعد القبض عليه ببضع ساعات.
إسلامي ، شيوعي ، ناصري ، عبده شيطان ،،، لا يهمني .
فقط يهمني أن أعلم لماذا قبض عليه؟ وكيف مات؟
أربعة عشر عاما مضت .
لا يهمني ان يكون رجاء العربي ، أو ماهر عبدا لواحد ، أو عبد المجيد محمود نائب عام لمصر.
يهمني أن يعلن احدهم ، لماذا قبض على عبدالحارث مدني؟ وكيف مات؟
نعم هذا دورهم ، واذا لم يكن لدي احدهم الإجابة ، فليستقيل.
بالطبع هذا لا يحدث في مصر.
المواطن المصري ، رخيص لدي المسئولين.
والمسئولين لا يستقيلوا.
لكنه المواطن غالي لدي إخوانه المواطنين.
أكره الإسلامين وأخاف ان يحكموا مصر.
أكره الحكومة المستبدة وأخشى أن تستمر.
لكني بحاجة لتفسير ، كيف مات عبدا لحارث مدني؟
أربعة عشر عاما مضت على وفاته.
أنا أعلم تماما ان الإفلات من العقاب ظاهرة مصرية ، فقد تم تعذيبي وتم ترقيه من عذبني !.
لم يخرج النائب العام حتى اليوم ليعلن للناس لماذا القي القبض على عبدالحارث مدني؟ وكيف مات؟
أربعة عشر عاما ، مضت ، وحصلت أسرة مدني على تعويض مالي قدره خمسون ألف جنيه في القضية رقم ٢٦٠١٠ لسنة ٥٧ ، فقط لأنه اختفي وتوفي أثناء اعتقاله.
لكنه توفي بعد القبض عليه.
لكن البوليس المصري يعذب المعتقلين.
لكن النائب العام ، بدءا من عام 1994 وحتى اليوم- 2008- لم يعلن أسباب وفاته.
وإلى أن يعلن أحدهم الحقيقة.
لا اعلم متى!
فانا أعتقد أن الشرطة المصرية قتلت عبدالحارث مدني تعذيبا بعد اعتقاله.
وعلى من يختلف أن يعلن نتائج التحقيق ….. إن كان هناك تحقيق.
جمال عيد
محامي ومعتقل في عام 1994 في قضية مقتل عبدالحارث مدني.