الآمال كبيرة، والوعود التي أعطيت لكُنّ يا سعوديات كثيرة، بينما حالكن مازال مزري ومتردي منذ عقود. كثيرات منكن يتمتعن بهدوء وخير، ولكن الكثيرات يكابدن مرارات قاتلة، ويواجهن شتى أصناف العنف والإقصاء. ليس بعيدا أبدا أن المتنعمات منكن اليوم، يكنّ في حالة بائسة غدا، حين يخسرن الرجل القائم على شؤونهن، لأنه لا وجود لقوانين حماية لكُّن، ولا مأوى آمن تلجأن إليه حين يغدر بكن الزمن، والسبب هو لأنكن لا تطالبن بإصرار وبجدية بحقوقكن.
البعض منكنّ يرجئن المطالبة بحقوقهن ويبررنه بالوقت، فعلى حد قولهن أن اليوم ليس مناسبا لأن نرفع أصواتنا للمطالبة بحقنا الكامل في المواطنة، لان شعبنا الشقيق في لبنان يعيش حرب وحشية والأمة كلها في أزمة. وسؤالي لكنّ جميعا يا سعوديات: متى أتى الوقت الذي كان مناسبا لفتح ملف المرأة في أي قُطر عربي؟ ومنذ متى توقفت حروبنا نحن العرب، ومتى لم تكن امتنا تمر بأزمة؟
حرية
السنا في كل عقد يمر بنا، لنا حرب لسبب ما؟؟ دعونا نحسب الحروب الرئيسية وعسى أن تسعفني الذاكرة: حرب احتلال فلسطين في 48، حرب العرب في 56، حرب النكسة 67، حرب اليمن في الستينات، حرب أكتوبر 73، حرب الشمال والجنوب في السودان، والصومال في السبعينات، الحرب الأهلية التي دامت 15 عاما في لبنان بدأت في عام 75، حرب العراق وإيران بدايتها في 80 ونهايتها في 88، حرب اجتياح إسرائيل للبنان في 82 واستمرارها إلى 2000، حرب احتلال الكويت في 90، وحرب تحرير الكويت في 91، حرب وحصار على العراق طوال التسعينات، انتفاضة فلسطين الأولى وضرب إسرائيل للبنان 96، انتفاضة فلسطين الثانية في بداية القرن الجديد، حرب احتلال العراق في 2003، وحرب التطهير العرقي في دارفور، والآن 2006 حرب إسرائيل على لبنان..وربما ما ينتظرنا هو أعظم…
لم تكتفي مجتمعاتنا بتلك الكوارث، بل في خلال تلك الحروب كان ومازال هناك نزاعات ومعارك جانبية، ودماء تُسفك في السودان والصومال وموريتانيا وبالطبع في فلسطين…إضافة إلى ذلك كان كل بلد عربي لديه نزاعاته الداخلية، بسبب محاولات لزعزعة الأنظمة، جميعها حُسمت بنهايات مأساوية، مثلما حصل في أيلول الأسود في الأردن، وحماة في سوريا، وحلبجة في كردستان، وانتفاضة الجنوب في العراق، ومكافحة الإرهاب في مصر والجزائر والمغرب والسعودية.
هذا عبور خاطف على ما جرى وما يجري في منطقتنا، أي أن الشرق الأوسط دائما يغلي، ورجاله ونساءه وأطفاله معرضون لويلات الحروب بين يوم وآخر…
السؤال الجدير بالطرح هو: يا ترى هل نساء الدول العربية المنكوبة كنّ ينتظرن أن تزول غمامات العنف وأدخنة المدافع من اجل أن يحسّن من أوضاعهن؟ بالطبع لا…
لنأخذ مثالا لنا المرأة الفلسطينية، أجمل النساء العربيات، وأشجعهن وأكثرهن عرضة للعنف والموت، هي اليوم استطاعت أن تحصل على كثير من الحقوق، لا زالت المرأة السعودية والخليجية تُعدها ضرب من الخيال والأساطير. هل المرأة الفلسطينية قالت لن أطالب بحقي لأن بلدي يكابد الاحتلال ويعيش حالة حرب؟؟ بالطبع لا…
المثال الآخر المرأة العراقية والمرأة السودانية والمرأة الصومالية… جميعهن نساء رائعات..الكل يعلم أن رحى الحرب الأهلية دارت في السودان والصومال لثلاث عقود وتبعاتها لازالت تحوم في الأجواء، واليوم تدور حرب أهلية بين مدن العراق وقراها بشراسة لا تُصدق، ولا تخطر في ذهن احد. إن عدد القتلى العراقيين اليوم يفوق بكثير عدد القتلى اللبنانيين، ومع ذلك النساء العراقيات مصرّات على مواصلة المسيرة، والعمل بجدية لنيل حقوقهن من اجل الأجيال القادمة…
أما المرأة اللبنانية فنعم المرأة الشجاعة، لولا دورها الفعّال في مجتمعها، ولولا نيلها لكثير من حقوقها، لما صمدت لبنان يوم واحد في مواجهته لجيش إسرائيل وترسانته الفتاكة لأكثر من عقدين من الزمن..هي بجانب الرجل اللبناني في جميع انتكاسات ذاك البلد وكوارثه، واليوم نراها تساند المهجّرين، وتعالج الجرحى، وتوفر المئونات، وترعى الأُسر، وتدعم وطنها بجميع ما أوتيت من طاقة وقوة…هؤلاء النساء اللاتي يجب أن نقتدي بهن ونتبع خطاهن..
الآن.. انتن يا سعوديات ماذا تنتظرن…؟ إلى إن يستأنس العنف في دار كل واحدة منكن؟ إذا كان في آخر إحصائية لعام 2005 تقول أن في كل شهر في فرنسا، 6 نساء يفقدن حياتهن بسبب تعرضهن لعنف من رجل، وفي اسبانيا سُجل ما يفوق 73 ألف حالة عنف من رجل تجاه امرأة، معظمها سببت أمراض نفسية للنساء، وبعضها عاهات جسدية، وأمريكا تحسب حالات العنف الأسري بالثواني..مع أننا ندرك جيدا أن هذه الدول سنّت قوانين لحماية المرأة، وأعطتها كثير من حقوقها،ووفرّت لها ملاجئ حماية حين تتقطع بها السبل، وتضيق بها الدنيا، ومع ذلك مازالت المرأة هي الحلقة الأضعف في تلك المجتمعات..فما بالك ببلداننا العربية؟؟
أنتن لم تتأخرن قط عن مساعدة الآخرين ومساندتهم والدليل ما قمتنّ به من اجل لبنان، لكنكن متأخرات كثيرا عن مساعدة أنفسكن وأخوتكن..أود أن افهم تأخركن هذا يا سعوديات عن المبادرة بالمطالبة بحقوقكن..هل لأنه ليس ثمة إحصائيات تكشف الوضع البائس لكثير من نسائنا؟؟ اطرقن أبواب المحاكم وستعرفن حجم الكارثة…
أم هل لأن نسائنا اللاتي يتعرضن للعنف تسيل دمائهن بصمت مطبق، لذلك لا احد يحس بها؟؟ أو لأن