النظام المصري لم يعد يصلح لمصر في القرن الواحد و العشرين
يوليو
22
مطلوب جبهة من المصرين من أجل تغيير جذري
كثيرة هي المقالات و التعليقات و التحليلات التي انفجرت غضباً و صدقاً أو نفاقاً وتورية ، تنعي حال الشارع العربي بخجل شديد و شعور مذهل بالدونية أمام مظاهرات الملايين في أوروبا التي انطلقت احتجاجاً علي العدوان الحالي و التالي علي العراق ، بدأنا ( جميعاً ) نسخر من المئات القليلة التي خرجت هنا و هناك في هذا البلد العربي أو ذاك ( رغم أننا من عبنا عليهم قلة عددهم لم نكن من بينهم بل كنا نتأملهم علي شاشات التليفزيون منهمكين في شرب الشاي !) ، ثم عبنا ( جميعاً ) – عرب و مصريون – علي مصر أن تكون هذه المجموعة الصغيرة المعدودة بالعشرات هي تعبيرها الهزيل عن سكانها البالغين سبعين مليون من البشر ، يمسهم كما يمس غيرهم هذا الجشع الإمبريالي الأمريكي اتجاه العالم الثالث و في القلب منه منطقتنا ثم ما لبث أن هدأت احتفاليات جلد الذات بنفس السرعة التي تفجرت بها ، يعنيني هنا القطر العربي الذي انتمي إليه قلباً و جسداً و ثقافة وهو مصر ، مصر التي تعيش الآن – دولة – مهانة و تردي تصيب بالذهول كل من يتصدى لمهمة تحليل ما يجري على أرضها ، إذ يفيد هنا مناقشة كل التناقضات بدء من ظاهرة الملايين الأوربية و علاقتها – الحقيقية – بقضايانا ، إلي الشعارات المرفوعة في شوارعنا سواء رفعتها مئات أو آلاف أو حتى ملايين من المتظاهرين ، إلي النقد الذي نوجهه إلى أنفسنا نخباً كنا أو مواطنين بسطاء إلى سلم الأولويات في معسكرنا ، إلى الأفكار التي نتبناها ( صدقاً أو نفاقاً ) كي نبدأ ( الفعل ) ، حيث أن مأزقنا الحقيقي الذي تدور حوله كل تلك النقاشات و التفاعلات هو غياب ( حالة الفعل ) عن ساحتنا .
المتظاهر الأوربي و المتظاهر المصري
في البدء كان يوم التظاهرات المليونية الأوربية للوهلة الأولي – مصدر ألم لنا جميعاً علي اختلاف مشاربنا و أهدافنا ، أخجلنا – للوهلة الأولى – أن يرفع الأوروبيون لافتات تقول ( لا دم من أجل النفط ) ، ثم أخذنا جميعاً بهذا النظام و الترتيب و ذاك التحضر في العلاقة بين جماهير تعترض و حكومات معترض عليها و على قراراتها ، وندر ألا تجد من بيننا من سب و لعن ألف مرة تخلفنا و استبداد حكامنا و تقاعسنا عن رفع لافتة مماثلة في شوارعنا ، بل عذبنا أن تلك الجماهير الأوربية تكاد تثبت أنه قد يكون للأمر دلالة جينية تجعلهم ( مختلفين ) ! ، لكن ( الوهلة الأولى ) انتهت الآن ، و بدا أن الأمر يحتاج إلى أكثر من تفكيك للأحداث ، فمشهدان أحدهما من مظاهرة لندن و الآخر من مظاهرة القاهرة يجعلانك تعيد التفكير بجدية في ( تفكيك ) المسألة برمتها .
المشهد الأول كان لمتظاهر كان يسير في هذا الطابور المنظم حاملا طفله الأشقر الصغير الذي يحمل بدوره دباً صغيراً ملوناً ، وكان يسير بمحاذاته أحد جنود الأمن الذين يحرسون المظاهرة وهم يرتدون هذا الزى اللامع الشهير المميز للشرطة الإنجليزية ، وعندما وقع الدب الصغير من يد الطفل انحنى الشرطي وناوله له ثم أكمل الجميع المسيرة ، ( بغض النظر عن الاستراتيجية الإعلامية الكامنة وراء التقاط مشاهد عفوية بعينها من هنا و هناك فهذه مجالها مقال آخر ، المشهد الآخر كان لمواطن مصري يتظاهر في مجموعة ليست مليونية و ليست ألفية ، وعندما وقع علي الأرض تكالبت عليه مجموعة من جنود الأمن بزيهم الأسود الداكن و جذبوه من قميصه حتى كاد ينسلخ من علي جسمه ، و يبدو أن ذلك المتظاهر كان ثورياً بأكثر مما يلزم إذ تجرأ و صرخ فيهم قائلاً ( إوعوا حد يلمسني ) و كان يقول ذلك وهو يحاول التملص من بين أيديهم ، فما كان من الشرطي إلا أن صرخ فيه وهو يحمل جهازه اللاسلكي ( قم يا ولد يا ابن ال …. ) و أكثر من ذلك بالطبع ، ثم جاء الشرطي الآخر ممسكا بعصا غليظة كريهة ( كلما رأيتها أشعر أن القضية أكبر بكثير من ضرب العراق بالقنابل ) و انهال عليه بالضرب بينما يمسك الشرطي الآخر به حتى لا يتمكن من دفع العصا ، المشهدان يبرران في رأي البعض ضرورة إعادة تفكيك المسألة إلي أجزائها الصغيرة الأوروبيون يرفعون شعارات ( لا دم من أجل النفط ) لأنهم لا يريدون هدر دماء أبنائهم من أجل النفط حتى لو كانوا بحاجة إليه لاستمرار رخائهم ، و المبادرة الألمانية الفرنسية في هذا الإطار ( و خاصة بعد تأمل بنودها المجحفة بالعراق كما لو كانت حرباً بغير قنابل ) ليس لها أي دلالة إنسانية بالنظر إلي تاريخ أوروبا و قيام نهضتها الأولي علي حساب موارد شعوبنا ، و خوفها من انفراد الولايات المتحدة بالغنيمة العربية دونها بينما كان لها السبق تاريخياً في قضمها و هضمها ، و ديموقراطيتهم هي فيما بينهم و ليست لكل البشرية ، فماذا يفيدني أنا إذا كان الوحش الذي يهاجمني حنوناً علي ابنه عطوفاً عليه محترماً له ؟ لا داعي للخجل إذن من هذا التحضر الذي تبناه الشرطي الإنجليزي مع مواطنه ، فبعد انقضاء ( الوهلة الأولي ) يبدو أن تساؤلات يفرض نفسه : أيهما أشجع ؟ متظاهر يعرف مسبقاً أن الشرطة ستفسح له الطريق ، أم متظاهر يعرف مسبقاً أن الشرطة قد تمسك به و تعذبه حتى الموت و تشرد كل من هم في رقبته من أسرته ؟ كلاهما قرر الخروج فمن الأكثر جدارة بالاحترام ؟ و لكن مع ذلك فالاستمرار في محاولة ( تفكيك ) المسألة بنقلنا خطوة أخري .. و هذا المتظاهر الشجاع الذي خرج في شوارع القاهرة رغم علمه مسبقاً بإمكانية سب أمه و أبيه و ضربه بالعصا الكريهة المهينة المذل
ة .. ماذا رفع شعارات و ماذا دفعه لذلك ؟