• إدارة المدونة

  • الأقسام

  • الأرشيف

تساؤلات مشروعة حول دور النيابة العامة في مصر

يونيو
07

نشرت بتاريخ 30-8-2005

في منتصف شهر يونيو الماضي ، ألقت أجهزة الشرطة القبض على اثنين من الشباب المنتمين لإحدى الجماعات المطالبة بالتغيير والإصلاح في مصر بمبرر توزيعهما لبيان يدين محاولات توريث الحكم والفساد المستشري في مصر ، وكعادة أجهزة الشرطة في مثل هذه الحالات ، لم يسمح للشابين بإبلاغ ذويهما أو عرضهما على النيابة العامة قبل إجراء تحقيق من قبل الشرطة تخلله تجاوزات أصبحت بحكم العادة في مصر نهج ثابت وآلية معتادة .

تجمع العشرات من المحامين وأصدقاء هاذين الشابين أمام مكتب النائب العام ، يطالبوه بالتدخل لإنقاذ هؤلاء الشباب من براثن أجهزة الأمن ، خشية أن يتعرضا للتعذيب .

وبعد قليل ونتيجة لتباطؤ النيابة العامة في فتح تحقيق ، كما ينص القانون بدأ الحشد المتواجد أمام مكتب النائب العام في الهتاف ” عايزين نيابة حرة .. العيشة بقت مرة ” !

وهو هتاف تواترت الجموع الغاضبة في مصر على ترديده للتنديد بالحكومة أو أجهزة الأمن ، والمطالبة بحكومة أو شرطة جديدة .

إلا أن الجديد في هذه المرة أن يخرج الهتاف الغاضب من الشباب والمحامين والجمهور المحتشد أمام النيابة العامة ، بالتنديد بالنيابة العامة و بالمطالبة بنيابة حرة ، وهو أمر قد يبدو جديدا في ظاهرة ، إلا أن حقيقة الأمر تبدو غير ذلك .

فعلى الرغم من أنها المرة الأولى التي يرتفع الهتاف فيها للتنديد بدور النيابة العامة في قضايا الحريات في مصر ، إلا أنها لم تكن المرة الأولى التي يثور فيها التساؤل حول هذا الدور .

فالكثير من النشطاء الحقوقيين ودعاة الديمقراطية والإصلاح ، فضلا عن المحامين ، بدئوا منذ فترة ليست بالقصيرة في التساؤل حول الدور الذي قد تلعبه النيابة العامة في مصر في ظل تصاعد حركة التغيير والمطالبة بالديمقراطية ،و أبدى العديد منهم مخاوفه العميقة وخشيته من زيادة التراجع الذي يلمسه العديدين ” ومنهم كاتب هذه السطور ” من أعضاء النيابة العامة في لعب دورهم وأن يؤدوا واجباتهم وفقا للقانون، بإنصاف واتساق وسرعة، وأن يحترموا كرامة الإنسان ويحموها ويساندوا حقوق الإنسان.

ويسوق المتخوفون من تراجع دور النيابة العامة في حماية كرامة المواطن المصري وحماية حرياته العامة ، العديد من الأمثلة التي تقيم قرائن ومؤشرات قوية حول حقيقة دور النيابة العامة ومدى حيدتها .

ومن هذه الأمثلة على سبيل المثال :

” تجميد التحقيقات في عشرات من الشكاوي التي قدمها متظاهرين حول تعرضهم للتعذيب أثناء المظاهرات المناهضة للحرب عل العراق ، وعدم تقديم أي من الضباط المتورطين في التعذيب إلى المحاكمة .
” مسلك النيابة العامة حيال الضحايا فيما عرف بقضية تعذيب أسرة بكاملها في حي حلوان ، حيث رفض رئيس النيابة أخذ أي إجراء رغم التقدم له ببلاغ حول أخذ الأسرة بكاملها كرهائن وتعرضهم للتعذيب ، سوى بعد تحرك عدد من المحامين والاستعانة بنقيب المحامين في مصر .
” مرور أحد عشر عاما دون إعلان نتائج التحقيقات في مقتل المحامي الإسلامي ” عبدالحارث مدني ” على يد جهاز أمن الدولة ، وهي الواقعة التي أدت لصدام شديد بين المحامين والدولة في عام 1994 .
” عدم تقديم ضابط واحد ينتمي لجهاز أمن الدولة المعروف باستخدامه التعذيب كمنهج في التعامل مع السجناء السياسيين ، طيلة تسعة عشر عاما ، ومنذ القضية المعروفة بإسم تعذيب متهمي الجهاد في عام 1986 .
” المفاضلة بين الخصوم في القضايا التي تتولاها النيابة العامة حينما تتعلق القضية بأحد الشخصيات العامة .
” تعامل النيابة العامة كطرف في الخصومة وليس كجهة محايدة وافتئاتها على حقوق المتهمين في القضايا السياسية ، مثل قضية اشرف ابراهيم المعروفة باسم التنظيم اليساري .
” التباطؤ الذي يسم مكتب النائب العام دائما في النظر في الشكاوى التي ترفعها منظمات حقوق الإنسان والتي يكون العديد منها متعلق بشكوى خاصة بالتعذيب.

وهذه بعض الأمثلة التي تؤخذ على النيابة العامة ، وأصبحت تثير الشكوك حول حيدة النيابة العامة وفعاليتها في لعب دور النائب عن المجتمع ، وليس النائب عن جهاز الأمن القمعي في مصر

وهي تلك الشكوك بعينها التي كانت تدور بأذهان أعداد أكبر أثناء فترة عمل النائب العام السابق رجاء العربي ، والتي جعلت الكثيرين من المهتمين بالعدالة في مصر يتنفسون الصعداء بعد تركه لمنصب النائب العام ، حيث كادت الهمسات أثناء توليه ترتفع لتصبح صيحات حول عدم حيدة النيابة العامة وإهدار العدالة في مصر .

وقد استوقفتني مادة ضمن المبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة التي أصدرتها الأمم المتحدة في مؤتمرها بهافانا من 27 آب/أغسطس إلى 7 أيلول/سبتمبر 1990 حول الدور الذي يجب على النيابة العامة ان تقوم به ، وهي المادة 12 التي تنص على ” على أعضاء النيابة العامة أن يؤدوا واجباتهم وفقا للقانون، بإنصاف واتساق وسرعة، وأن يحترموا كرامة الإنسان ويحموها ويساندوا حقوق الإنسان، بحيث يسهمون في تأمين سلامة الإجراءات وسلامة سير أعمال نظام العدالة الجنائية” .

ورحت أتسائل ، هل يعلم بها أعضاء النيابة العامة في مصر ؟
هل يهتم النائب العام في مصر بأن يؤكد على مرؤسيه بان يعلموا بما جاء بها ؟
هل يعتقد أحد أن النيابة العامة في مصر ينطبق عليها هذه المادة ؟
والسؤال الأخير

هل سوف تسفر التحقيقات التي بدأت حول الأربعاء الأسود الذي أهدرت في حرمة السيدات والصحفيات على يد بعض الضباط ورموز الحزب الحاكم في مصر ، عن تقديم هؤلاء المجرمين للعدالة ؟ وهم معروفين جيدا ؟

الإجابة ، وطبقا للخبرات السابقة ، أن التحقيقات سوف تطول ، وتستمر فترة طويلة ، ليست بهدف التأكد من الإحاطة بكل تفاصيل واقعة الأربعاء الأسود ، بل حتى تهدأ الضجة ، وتأتي جريمة أكبر لحكومة احترفت ارتكاب الجرائم في حق شعبها ، وتصبح الجريمة القديمة في طي النسيان .

و تقف الحشود مرة أخرى أمام مكتب النائب العام ، ويعد بفتح تحقيق ، ولا يعاقب مسئول كبير ، وهكذا ،،،،، وتضيع العدالة في مصر .

جمال عبدالعزيز عيد
محامي وناشط حقوقي

لا يوجد ردود

أضف رد

To use reCAPTCHA you must get an API key from https://www.google.com/recaptcha/admin/create