• إدارة المدونة

  • الأقسام

  • الأرشيف

من يسد «خُرم» المال العام فى «روز اليوسف»؟!

يناير
13

الطبيعى فى أى حكومة طبيعية أن تقول لها الأجهزة الرقابية إن «شيئًا ما يحدث للمال العام ويهدره»، فتتحرك الأجهزة، وينتفض المسؤول للدفاع عن المال العام، باعتباره أمانة فى عنقه، سوف يحاسبه عليها الرئيس، وإن لم يفعل، فسوف يتولى الله عز وجل الأمر برمته..

ناهيك عن الضمير الذى «ينقح» فقط على الشرفاء حين يرون أموال دافعى الضرائب والمواطنين الغلابة تهدر أمام أعينهم، بينما يموت مواطنون مصريون الآن جوعًا وفقرًا ومرضًا، ولكم فى «الحدّاد»، الذى قتل فتاتين من أجل ٢٠٠ جنيه، ألف مثال ودليل!

لماذا نقول هذا الآن؟!.. مرت عدة أيام على نشر الزميلة «الفجر» تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات عن الخسائر الضخمة فى مؤسسة «روزاليوسف»، التى تعيش على أموال دافعى الضرائب، وتهدر كل صباح عدة ملايين من المال العام..

شخصيًا لا أقرأ منذ زمن جريدة «روزاليوسف» اليومية، ربما لأننى لا أحب الروائح غير الطيبة، أو لأننى لا أحب البذاءة والخوض فى الأعراض والحياة الشخصية، أو لأننى لا أنشغل كثيرًا بـ«عبدالله كمال» منذ أن كنا ندرس فى كلية الإعلام..

كنت أسبقه بسنة فى الدراسة، وكان يسبقنى بخطوة مهمة للغاية: تحديد مساره من «مدرجات» الجامعة.. أنا على باب الله والصحافة.. وهو على أبواب ضمنت له الوصول إلى مقعده الحالى.. أنا فى طريق لا أعرف إن كان سيجعلنى صحفيًا ناجحًا أم بائع صحف، وهو فى طريق سوف يجعل من «تقاريره» سجادة حمراء نحو الكرسى الذى ينشده.

ليست هذه قضيتنا.. فهذا الرجل الذى اختار طريقه وأجندته لا يشغلنى كثيرًا، لأنه اعتاد أن يرفع من يشتمه إلى عنان السماء، وأن يهبط بمن يمدحه إلى مستنقع سحيق فى «سابع أرض».. عمومًا هذه خياراته وتلك رهاناته مع من «يستخدمه»..

ولكن ما صدمنى وجعلنى أكتب اليوم ليس تقرير الجهاز المركزى عن «خرم المال العام» الواسع فى «روزاليوسف»، إنما ذلك الصمت المريب والعجيب من المسؤولين، وكأن أموال دافعى الضرائب التى تهدر فى صحيفة «معدومة التوزيع»، وتغدق على أشخاص فاشلين، لا تهم أحدًا.

يقول التقرير الرسمى الصادم إن كل نسخة من جريدة «روزاليوسف» التى يرأس تحريرها «عبدالله كمال» تخسر ١٦٢ قرشًا، وأن الجريدة تبيع ١٤٥٠ نسخة يوميًا، من واقع مستندات التوزيع الرسمية، وهو ما يعنى أن نزيف الخسائر مستمر على مدار الساعة، وربما يكون منطقيًا أن يخسر القطاع الخاص فى مشروعاته دون أن يسأله أحد، أما «الجريمة» فهى أن يؤتمن مسؤولون على أموال الشعب المصرى ويهدرونها فى جريدة حكومية توزع ١٤٥٠ نسخة فقط، لكى تشتم رموز البلد المحترمين، وأن تتدنى بلغة الخطاب الصحفى إلى أدنى مستوياته.

لم يرجف جفن مسؤول وهو يقرأ التقرير، الذى ذهب إلى الجميع، لم يتحرك أحد فى المجلس الأعلى للصحافة ومجلس الشورى، الذى يملك المؤسسة، ولم يعلق أحد فى الحزب الوطنى وأمانة السياسات، التى يدعى «عبدالله كمال» فى كل مكان وسطر يكتبه أنه يعبر عنهم وينطق بلسانهم.. من يحاسب.. من يحمى المال العام..

ومن يقول لقيادات أمانة السياسات إن هذه الجريدة تسىء إليهم كل صباح، وتزرع الكراهية تجاههم فى كل النفوس؟!

يقولون فى علوم السياسة والإعلام إن الإنجاز – أى إنجاز – لن يصل إلى الشعب إلا عبر جسر إعلامى محترم.. وأمانة السياسات فى الحزب الوطنى نجحت خلال السنوات الأخيرة فى خطوات وإجراءات اقتصادية لم يختلف عليها اثنان من الخبراء: ارتفاع معدل النمو.. إصلاح هيكلى فى القطاع المصرفى.. زيادة كبيرة فى الاحتياطى النقدى.. قانون عصرى للضرائب.. إصلاح واضح فى البنك المركزى..

ومع ذلك تدنت شعبية الحزب والأمانة وقيادات الاثنين.. لماذا؟! لأن الجسر الإعلامى الذى يعبر عن هذا الكيان فاشل ويتبنى خطابًا سقيمًا يستند إلى «تيمة» التخوين والاتهام بالعمالة والخوض فى الأعراض.. والمواطن المصرى لايزال متمسكًا بأخلاقياته، لذا فقد عزف عن هذه الأقلام، ووضع هذه الصحف فى «مزبلة» التاريخ.

هل عرف الآن قيادات الحزب الوطنى لماذا فقدوا بوصلة «الشارع».. زمان كانت الصحافة الحكومية هى منارة الوعى والتثقيف والخطاب المحترم، تخدم النظام بمهنية واحتراف دون أن تقول للناس كل صباح «نحن أسيادكم»..

أما اليوم فقد أفقدت الحزب الوطنى والنظام والحكومة المصداقية واحترام المواطن.. فإذا كانت الحكومة تشتم ،والحزب يحتضن الألسنة الطويلة، فكيف يسير الناس خلف الحكومة.. وبأى عين يرى المواطن إنجازات الحزب؟!

١٤٥٠ نسخة يوميًا هى صوت أمانة السياسات وتيار الإصلاح فى الحزب الوطنى.. وعدة ملايين تسكب على الأرض كل صباح لتسويق «الكراهية» تجاه الأمانة والحزب.. تذكرنى صحيفة «روزاليوسف» اليومية بمجلة «الأرض» التى أصدرناها و
نحن فى المرحلة الثانوية فى «منيا القمح».. عدة صفحات رديئة الطباعة ومقالات تعبر عن هموم الأهالى..

كانت المجلة البسيطة والساذجة توزع ٧ آلاف نسخة عند بائع واحد فى هذه المدينة الصغيرة.. كنا ننفق عليها من جيوبنا.. ومع ذلك أغلقناها لأننا شعرنا بإهانة بالغة لأنها توزع ٧ آلاف نسخة فقط، أى أربعة أضعاف توزيع جريدة «روزاليوسف» فى جمهورية مصر العربية بطولها وعرضها.. أغلقناها لأننا اعترفنا وقتها أننا «فاشلون».

أتعجب من حال مؤسسة «روزاليوسف» العريقة التى يرأس مجلس إدارتها الصحفى المحترم «كرم جبر»: سيارات آخر موديل، والتوزيع ١٤٥٠ نسخة.. رئيس التحرير جاى، رئيس التحرير رايح، والتوزيع ١٤٥٠ نسخة..

بسرعة علشان نلحق المطبعة والتوزيع ١٤٥٠ نسخة.. جيش جرار من المحررين الأكفاء والكتاب المحترمين والتوزيع ١٤٥٠ نسخة.. اجتماعات وتسويق وأفكار وجلسات مع قيادات الحزب الوطنى وأمانة السياسات والتوزيع ١٤٥٠ نسخة.. إهدار المال العام، والتوزيع ١٤٥٠ نسخة.

تلك هى القضية.. فمن ينتفض فى مواجهة هذه «المهزلة»؟!

المصدر:

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=189032&IssueID=1244

بقلم مجدى الجلاد ٤/ ١٢/ ٢٠٠٨

لا يوجد ردود

أضف رد

To use reCAPTCHA you must get an API key from https://www.google.com/recaptcha/admin/create